يعرض أكثر من مئة خطاط من مهرة الخطاطين العرب والمسلمين، طيلة شهر يونيو الجاري بالعاصمة الجزائرية، أروع ما أبدعت أناملهم من لوحات فنية تتغنى بـ"مفاتن" الحرف العربي وعجائبه.
اختارت وزارة الثقافة الجزائرية شهر يونيو الجاري لتستضيف عمالقة الخطاطين في الدورة الرابعة للمهرجان الثقافي للخط العربي، وكان محل الاستضافة دار مصطفى باشا، حاكم الجزائر في الحقبة العثمانية، ما أعطى المعرض بعدا تاريخيا حقيقيا يتناغم وموقع الدار في حي القصبة العتيق الذي بناه الأتراك.
وجالت "العربية.نت" أروقة دار مصطفى باشا واحتكت بعدد من الخطاطين الذين جاؤوا من 22 دولة منها؛ السودان والمملكة العربية السعودية ومصر والعراق والمغرب والصين واليابان وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران واليمن، ومن البلد المضيف، حيث استعرض الفنانون 150 لوحة من أروع اللوحات العالمية حول الخط العربي.
بيكاسو: "الخط العربي سبقنا بأزمة بعيدة"
يقول الخطاط السوداني المخضرم، عبد الرحمن يوسف بابكر، الذي يشارك لأول مرة في هذا المهرجان: "هذا المهرجان عالمي بالفعل، لقد جعلنا نحتك بفنانين من ذوي القامات العليا، وما الورشات العديدة، التي انتُظمت للتعريف بالجديد في هذا التخصص، إلا دليل على أن المهرجان سيتحوّل إلى مرجع للخطاطين في العالمين العربي والإسلامي".
ويضيف بابكر: "الجديد بالنسبة لنا أننا اطلعنا على ورشات لخطاطين يابانيين وصينيين، لقد عرفونا على علاقة بين الخطوط الثلاث العربية واليابانية والصينية وطريقة رسم حروفها، فبينما نخط نحن حروفنا بزاوية القلم، يرسم الآخران خطيطها بالفرشاة".
وعبّر بابكر عن افتنانه بالخط العربي، فقال: "إن أقدر من عبّر عن عظمة هذا الخط هو الفنان التشكيلي الإيطالي الكبير، الراحل بابلو بيكاسو، حيث قال "أعترف أن آخر نقطة وصلنا إليها في التجريد، سبقنا إليها الخط العربي بأزمنة بعيدة".
الخط المغاربي يتقدم
من جهته، قال الخطاط السعودي، جمال عيسى الكباسي، لـ"العربية.نت" إنه يسجل تقدما كبيرا للخط المغاربي وخطاطيه: "الخط المغاربي، الذي هو مزيج بين الثلث والكوفي المصحفي، يتقدم بسرعة بين الخطوط وصارت له أصوله وقواعده وآفاقه وتطلعاته التي ينافس لأجلها، وقد شارك هذا الخط في مسابقة أرْسيكا في تركيا وحصل على جائزة هناك".
وقال الكباسي، الذي يسجل مشاركته الثالثة في مهرجان الجزائر الدولي، إن المهرجان حقق نقلة نوعية بمشاركة أزيد من مئة فنان من كبار الفنانين في العالمين العربي والإسلامي.
ومن إنجازات الكباسي الكبرى، تطويره الخط الكوفي، حيث قال: "لقد طورت كتابة الخط الكوفي إلى أن كتبته بالجلي الديواني على الطريقة الصلبة غير اللينة، بحيث يتقولب الخط بشكل مرن حتى ستخذ شكلا زورقيا، وقد لاقى استحسانا كثيرا من جهابذة الخط المعروفين".
خطاطو الجزائر بلا مدارس
الأمر الذي استغربه الخطاطون الكبار المشاركون في هذا المهرجان هو مستوى الخطاطين الجزائريين، حيث اتفق السوداني عبد الرحمن يوسف بابكر والسعودي الكباسي واليابانية كوشما سوناغا وغيرهم على أن مستوى الجزائريين ممتاز فعلا وأنهم بارعون في خط النسخ الذي هو خط القرآن الكريم.
لكن منبع هذا الاستغراب ليس تمكّن الخطاطين الجزائريين في حد ذاته، وإنما "افتقار هؤلاء الخطاطين لمدرسة يتعلمون فيها أصول الخطوط العربية، ومع ذلك أبدعوا ومنهم من تفوّق"، كما يقول محدثونا.
وحول قضية افتقار الجزائر لمدرسة واحدة تعلّم الخط العربي، سألت "العربية.نت" محافظ المهرجان الأستاذ مصطفى بلكحلة فقال: "هذا الأمر حقيقة قائمة، لكننا سنفتح مدارس لا مدرسة واحدة، سنفتح مدارس يكون لها شأن في تفجير الخطاط الجزائري عالميا، لأنه أظهر قدرا كبيرا من التحدي في غياب الظروف المطلوبة التي تسمح بالإبداع".
ويقول الخطاطان الشابان الجزائريان، محمد بودران ومحمد السعيدي بناي، إنهما تعلما الكثير في ورشات المهرجان الحالي، وأبرز ما أبهرهما تقنية كتابة الخط العربي على الطريقة الصينية أي من الأعلى نحو الأسفل، وهي تقنية قدمها خطاط صيني مسلم، تماهى فيها الخط العربي والتقنية الصينية وكأنهما شيء واحد.
وطالب الخطاطان بالمسارعة بفتح مدارس للخطاطين الجزائريين "الذين ينتظرون هذه الفرصة منذ عشرات السنين".
المفضلات