ما هي الصداقة ؟
سوف أتحدّث اليوم عن الصداقة وأتمنى أن أوفق في لمّ الموضوع من كل أبعاد فالصداقة ُ موضوع ٌ يحتاجُ إلى موسوعة وسوف نحاولُ الاختصار بقدر المُستطاع ........ إن الصداقة كلمة ٌ مكونة ٌ من خمسة ُ حروف ولها معان ٍ برّاقة و هي كلمة ٌ ومعنىً جميل ورائع وهي علاقة ٌ يملأها التكافؤ بين أثنين من جميع النواحي وهي رباط ٌ موثوقٌ بين أثنين على الحُب والتفاني والتضحية فالصداقة ُ هي صدق المشاعر وإظهار المَعدن الأصيل ، فنحنُ في هذه الُدنيا لا نستطيع العيش بدون أصدقاء فالصداقة ُ لها معان ٍ سامية وحقوقٌ وواجباتٌ يجب أن ُتراعى من ُكل الزوايا فالصديقُ الصالح والوفي والقرينُ الطيّب هو أساس ٌ في تكوين المُجتمع وإكماله فقيل عن الصداقة ُأنها ( عروس ٌ مهرُها الإخلاص ) فلابد أن نعرف بأن الصداقة ُهي من أسمى وأفضلُ العلاقات بين أفراد المُجتمع وذلك لتوثيق الترابُط ولكن بعض الناس تتخذ هذه الصداقات من أجل المصالح الشخصية وبيَع الضمائر، ونريد أن نشير بأن الصداقة ليست بالكثرة والكمّ لأن كثرة الأصدقاء ربما تكون ذات منفعة كبيرة وربما تكون العكس كثرتهم قد تبعدك عن أهلك وهم الأحق بذلك وسوف تخلق لنفسك مشاكلا ً لا حدود لها لأن كثرة الأصدقاء قد تكون نزوحاً للسَلب والبُعد عن الإيجابية ولأن كثرتهم قد لا ُتجدي نفعاً ومضيعة ً للوقت وقد تكون خلطاً بين التوّجيب والمُجاملة التي تصل إلى حد النِفاق كما قال الإمام علي ( عليه السلام ) [ كثرة ُالرفاقُ نِفاق ] ونريد الإثبات بأن الصداقة ليست بالكلمة ُ السَهلة وليس كل صديق ٍ صادق بل أصبح وجوده من الندرة والقلة..... قيل ( ما أقل ّ الأصدقاء وقتُ الضيق وما أكثرُهم وقتُ الرخاء ) و كما قال الإمام علي (عليه السلام) في أبياته ومن ديوانِه المَشهور:
تغربت أسألُ من عن ّ لي من الناس هل من صديق صدوق ِ
فقالوا عزيزان لا يوجدان صديق ٌ صدوق ٌ وبيض ُ الأنـوق ِ
من هو الصديق ؟ وما هي صفاته؟
إن الصديق هو الشخصُ الذي يلازمُك في هذه الدُنيا وهو من يصونُ أسرارُك ويصونُ كرامتك ويصونُ كل العُهود فيما بينكم، وهو أيضاً الذي تقتبس منه المنفعة والاستفادة والتطوير كالفائدة الأدبية والأخلاقية ..... قال مالكُ بنُ أنس ( من خالط َالعَطارُ فاحَ بطيبه ) والصديقُ من يدعوك لحُب والديك والبر بهم وحُب الناس والأعمال الصالحة وصلة ُ الأرحام والقربىَ وحسنُ المَعشر مع عائلتِك ولا تتغيّر طباعُه مع مرور الوقت ... قال مصطفىَ أمين ( خيرُ الأصدقاء من لا يتلوّن إذا تغيرّ الزمان )، هو أيضاً الذي يسعىَ دائماً لرفع أسمُك عالياً ويرفعُ من شأنك بين الآخرين ويفتخرُ بك ولا يتذمّر ويتثاقل من قرُبه إليّك ولا يخجل منكَ بل مصاحبُتك له هي الأهم عنده، هو أيضاً الذي يُدخلُ في قلبك السُرور عندما تطلب منه خدمة ً ما فيُسارع في إنجازها بقدر المُستطاع، وهو أيضا الذي تعتبرهُ بمثابة نفسِك وروحك وهو الشخصُ الذي يتقبّل أعذارك بصدر الرحب ويُسامحك عند الخطأ الغير فادح ولا يدقق على أخطائك بل يتلمس لك العذر ويرعى مالك وأهلك وعرضك ويأخذ محلك ويُدافع عنك عندما تكونُ غائباً ولا يغتابُك ولا يظنُ بك الظنُ السيئ بل يحمل أعذارك على أفضل محمل قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) [ إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ] أيضاً الصديقُ هو الذي لا ينسى أفضالك عليه قال الإمـــــــام علــــي ( عليه السلام ) [ أصحبوا من يذكر إحسانكم إليّه وينسى أياديه عندكم ]، الصديقُ أيضاً هو الذي يزورك ويصادقك في قوله وفعله ويُحبك في الله تعالى لا لأجل المصالح الدنيوية الفانية كالمَصلحة المادية والمعنوية أو لأجل الوصول لإغراض ٍ معينة، وأيضاً الصديقُ هو أول المُشاركين لك في حزنك ومسراتك والسند والعضد في النائبات والضائقات المالية ويساعد في حّل كل مُشكلة تقع فيها ويؤثرك على نفسه ويتمنىَ لك كل خير ولا يلجأ للغيرة والحَسد منك قال الإمام علي ( عليــه السلام ) [ حَسد ُالصديق من سُقم الموّدة ]، وأيضاً هو الذي يدعي لك دائماً بالخير والعافية والصحة وهو الذي يقدّم لك النصائح التي تقودك إلى الطريق السليم وإلى الصواب قال الإمام علي ( عليه السلام ) [ صديقك من نهاك وعدوكَ من أغراك ]، وهو أيضاً الذي يعمل على راحتك وتشجيعُك على كل شيء خاصة ً إذا كانت لك مواهباً وهوايات ويعمل على تنميتها معك ويبتعد عن النقد الجارح، هو أيضاً الذي يسبقك بالسَلام والتحية ُ والإكرام ولا يعمل على الجفاء منك والهجران، هو أيضاً الذي يعودك أذا أصابك مرض ٌ أو علة لا سمح الله ويقفُ بجانبك ويكثرُ من ذكر محاسنك ويحبُ لك الخير كما يحبه لنفسه وأن يُعلمُكَ ما تجهلهُ من أمور الدين ويسعى على تثقيفك في الأمور الشرعية وعدم ترك الفروض والواجبات ويرشدك إلى الصلاح في الدنيا والآخرة فالصديقُ أيها الإخوان قد يكون لك في بعض الأحــيان أفضل من أخ ..... سُأل شخص من أحبُ إليّك أخوك أم صديقك قال أخي إذا كان صديقي ! فيا أخواني إن اختيار الصديقُ الصالح والبُعد عن الطالح منهُم من أساسيات الصداقة ُ الحَقة التي حّث عليها الإسلام قال الإمام علي ( عليه السلام ) [ صاحب الأخيار تأمن الأشرار] فالاصطحاب شيء ٌ مُهم للبُعد عن الوحدانية والانطواء النفسي واختيار الأصدقاء وانتقاء الفاضل منهُم من أهم العوامل لكسب المنفعة وتبادلها فيما بينهم، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وســــــــــــــلم ) [ لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ]، فالصديقُ الصالح الوفي الذي يخافُ الله (عز وجل) ويهابه سوف ينفع من يقترن به ويخاويه ويكون سبباً لذلك الشخص في الدخول للجنة والبُعد عن النار فالإنسانُ في هذه الدنيا قبل أن تحكم على سلوكه أنظر لمن يُعاشر ويصادق ويقترن فمن صداقته تستطيع الحكم عليه فالذي يُعاشر المؤمنين سوف يكون منهم ويتبع سلوكهم وأطباعهم أما الإنسان الذي يُصادق الفجّار وأصحاب السلوك السيئ والطباع المُنحرفة قطعاً سوف يكون أحدهم .... قالوا في الأمــــــثال ( الوحدة ُخيرٌ من جليس السوء ) وقيل أيضاً ( خالط المؤمن وخالق الفاجر) وقال لبيد بن ربــــيعة ( صحبة ُالسوء مفسدة ُالأخلاق ) و قال الإمام علي ( عليه السلام ) [ الفاجرُ مُجاهر والعلمُ دليل ] وقيل في الأمثال ( قلّ لي من تعاشر أقلّ لك من أنت ) وقال الشاعر عدي بن زيد :
إذا كنت في قوم ٍ فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردي فتردى مع الردي
عن المرء لا تسأل فسأل عن قرينه فكل ُ قرين ٍ بالمقارن يقتــــــــــــــدي
وأوضح لنا أيضاً رسول الله ( صلى الله عليه وآله وســـلم )عندما قال [ المرء على دين خليه فلينظر أحدكم من يخالل].
إن الصديقُ الصالح كالشجرة ُ المُثمرة وثمارها أطباعهُ الحَسنة وأغصانُها الخشية والخوفُ من الرب (جل وعلا) قال الإمام علي ( عليه السلام ) [ خيرُ الاختبار صحبة ُ الأخيار] فالصديقُ في بعض الأحيان يكون أقربُ من أخوك من ناحية الدنو وإفشاء الإسرار فالصديقُ الناصح المُرشد الذي لا يسعى لكسب المصالح لا تفرّط به بل أشتريه بأغلى ما تملك من الحُب أما الصديقُ الفاسد الذي يضّر بصاحبه ويكون سبباً في هلاكه وغضب المولى عليه إنه في الواقع عدو ٌ وليس بصديق لأن الإنسان المؤمن الصالح يجب أن يبحث ويجالس الصالحين أمثاله ويبتعد عن أصحاب الصفات المذمومة فالذي يغتابُ الناس ويُثرثر في أعراضهم ويشربُ الخمور ويجاهر بالمعاصي ويزني ولا يهتم بواجبات الدين وبعيد ٌ عن الله تعالى البُعد عنه أفضل من معرفته لأنه قد يقودك إلى ألأضرار والمفاسد قال الله تعالى ﴿ فما لنا من شافعين ، ولا صـــديق ٍ ولا حميم ﴾[1]
ما هي حقوق الصديق؟
إن الصديق كما عليه من واجبات أيضاً لهُ حقوقاً يجب أن لا نجهلهُا فيجب عليك أن تعاملهُ بكل احترام وعدم أهانته بشتىَ الأشكال وعدم التحسّس من تصرُفاته وحديثه والزعل من على أتفه الأشياء ويجب عليك أيضاً الوفاءُ لهُ وعدم خيانتهُ والمُساهمة معهُ في التقدّم والنجاح ومعاملتهُ بالبشاشة ُ والترحيب وخفض الجناح، ويجب عليك أن تفتخر به وتتواضع لهُ ولا تعايره على فقره إذا كنت غنياً مثلا ً ، حاول أن تقدّم لهُ الهدايا ولو الرمزية وهذا يعطي إحساس بمدى الحُب وإلا تنسى معروفه وتنكره وتجاوز عن هفواته ويجب عليك أن تبتعد عن التفتيش عن عيوبه والبحث عن تكرار المزح المُفرط الذي نهايته الزعل والخصومة قال الإمام علــــي ( عليه السلام ) [ أنعم تشكر وأرهب تحذر ولا تمازح فتحقر]، وقال الإمام علي في بيت شعري عن المزاح :
وإياك يوماً أن تمازح جاهلا ً فتلقى الذي لا تشتهي حين يمزح ُ
ومن حقوق الصديق أيضاً كتم أسراه وعدم إفشائها لأحد قال الإمام في هذا الجانب أيـــــــــضاً ( صديق الجاهل معرّض ٌ للعطب وصديق العاقل صندوق سره) وقال في أبياته أيضاً:
إذا المرءُ لم يحـــفظ ثلاثاً فبعه ولو بكفّ مــــن رماد
وفاء ً للصديق وبذلَ مال ٍ وكتمان الســـرائر في الفؤاد
يجب عليك أيضاً أن ترّد عنه في غيابه وحُضوره وأن تتنافس وتتبارى معه في الأعمال التطوّعية والخيرّة والبحث عن ما يرضي الله تعالى فيجب عليك أيضاً عدم التشاحُُن معه فالطريقة المُثلى هي الحوار والتفاهم مع بعضكم البعض والبُعد عن الاضطرابات فهي من أهم عوامل الصداقة المَتينة ولو وقع بينكم بعض الخِلاف فالبدء في المُصالحة والسلام من أفضل الأعمال عند الله تعالى فسوف تأخذ الأجر العظيم من عنده فالمُصالحة سوف تزيل الوحشة والبُعد وسوف تسودُ تلك الصداقة الوئام الذي يحلمُ به كل صديقين قال الإمام علي ( عليه الســــــــلام ) [ الصاحبُ كالرُقعة في الثوب فاتخذهُ مُشاكلا ً]، يجب عليك أيضاً أن تكون باراً وكريماً معه وأن لا تكثر عليه اللوم والعتاب والطحّن وإلا تنسى مودّته وتكون مُنصفاً عادلا ً معه وتقضي حوائجه وأن لا تكون بخيلا ً شحيحاً معه ( فالصديق وقت الضيق ) قال الإمام علي ( عليه السلام ) [ في الشدة يختبرُ الصديق ] وقال الإمام أيضاً [ في الضيق يتبيّن حسنُ مؤاساة ُِ الرفيق ].
منقووووووووووووول
المفضلات