فيا ساكن القبر غداً... ما الذي غرَّك من الدنيا ؟!
فأين سُكَّانها الذين بنوا مدائنها، وشقوا أنهارها، وغرسوا أشجارها، وأقاموا فيها دهوراً ؟!؛
فاغتروا بقوتهم فركبوا الذنوبا!!
سَلْهُم... ماذا صنع التراب بأبدانهم، والهوام بأجسادهم، والديدان بعظامهم وأوصالهم؟
سَلْهُم... عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون؟ وعن الأعين التي كانوا بها ينظرون؟
سَلْهُم... عن الجلود الرقيقة، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة ما صنع بها الديدان؟
محت الألوان، وأكلت اللحمان، وعفَّرت الوجوه، وغيَّرت المحاسن، وكسرت الفقار، وأبانت الأعضاء، ومزَّقت الأشلاء
فأين حجَّابُهم...؟! وأين خدمهم وعبيدهم...؟! أين دارهم الفيحاء... ؟! أين رقاق ثيابهم... ؟!
أين طيبهم... ؟! أين بخورهم...؟! أين كسوتهم لصيفهم وشتائهم... ؟!
فمنهم والله الموسَّع له في قبره، المُنعَّم فيه، ومنهم والله المُضيَّق عليه في قبره، المُعذَّب فيه.
فـيـا لـلــقـبــور... ظاهرها تراب وبواطنها حسرات، ظاهرها بالتراب والحجارة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها
تالله لقد وَعظَتْ فما تركت لواعظٍ مقالاً، ونادت يا عُمَّار الدنيا لقد عَمَّرتُم داراً موشكة بكم زوالاً، وخربتم داراً أنتم مسرعون إليها انتقالاً.
عَمَّرتُم بيوتاً لغيركم منافعها وسُكْانَها، وخَرَّبْتُم بيوتاً ليس لكم مساكن سواها.
يـا لـلــقـبــور... إنها دار الاستباق، ومستودع الأعمال، وجني الحصاد
إنها محل للعِبَر، رياض من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.(الروح لابن القيم)
فـيـا لـلــقـبــور...إنها أول منازل الآخرة
فقد أخرج الترمذي وابن ماجة عن هانئ مولى عثمان قال:
"كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبلَّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا ؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدّ منه" (صحيح الجامع:1684)
هذا هو القبر...
أول منزل من منازل الآخرة، فالرحلة إلى الدار الآخرة تبدأ مع أول ليلة في القبر، يا لها من ليلة.
يقول الحسن البصري ـ رحمه الله ـ:
يومان وليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهن قط:
ليلة تبيت مع أهل القبور لم تبت ليلة قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة.
أما اليومان: يوم يأتيك البشير من الله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
ويوم تعطى كتابك إما بيمينك وإما بشمالك.
منقول
المفضلات