قرار عباس يثير الشارع الفلسطيني ويحرك المياه الراكدة: مؤيدون يرفضون القرار وخصوم يعتبرونه "مناورة"
الحقيقة الدولية - غزة-علي البطة
حرك قرار الرئيس الفلسطيني محمد عباس عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة "المياه الراكدة" في بركة السياسة الفلسطينية الرسمية التي لم تتحرك لصالح الرئاسة الفلسطينية في أي ملف من الملفات الشائكة التي يتولى عباس وفريقه المفاوضات حولها مع أكثر من طرف.
ودفع الصلف الإسرائيلي على الأرض والانحياز الأمريكي إلى جانب المخططات الإسرائيلية الرئيس الفلسطيني إلى نقطة اللاعودة ليتخذ قراره في الوقت الذي لم يحقق فيه الحوار الداخلي (الفلسطيني الفلسطيني ) أي تقدم .
وقال الرئيس الفلسطيني في خطاب تاريخي ألقاه من مقر المقاطعة (الرئاسة) بمدينة رام الله بالضفة الغربية "لقد أبلغت الإخوة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومركزية فتح بعدم رغبتي في ترشيح نفسي للانتخابات الرئاسية القادمة".
وأضاف "آمل منهم أن يتفهم رغبتي هذه علما بان هناك خطوات أخرى سأتخذها في حينه".
وقال عباس "إن المواقف المعلنة للولايات المتحدة بشان الاستيطان وتهويد القدس معروفة, إلا اننا فوجئنا بمحاباتها للموقف الإسرائيلي".
وحذر مسئولو حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني من وصول المنطقة إلى مرحلة صعبة تعجز التدخلات بعد ذلك في وقفها " لن تقتصر نتائجها السلبية على الفلسطينيين والإسرائيليين وحدهم ".
وتشبه المواقف الأمريكية والإسرائيلية التي يعاني منها الفلسطينيون تلك المواقف التي دفعت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى اتخاذ مواقف متشددة في مفاوضات "كامب ديفيد" في صيف العام (2000) ، والى تأييده انتفاضة الأقصى التي انفجرت شراراتها نهاية سبتمبر من العام نفسه في محاولة منه للضغط على المجتمع الدولي ليجبر إسرائيل على اتخاذ مواقف أكثر ليونة .
ومنعت الظروف السياسية في قطاع غزة الآلاف من أنصار فتح من الخروج إلى الشوارع لتأكيد رفضهم قرار عباس ، وتأييدهم له مرشحاً للرئاسة عن فتح ، واكتفت فتح في غزة بموقف أكده عضو المجلس التشريعي عنها فيصل أبو شهلا ، بقول :" إن الغالبية العظمى من الشعب وخصوصا في قطاع غزة يريدونه في الرئاسة دورة أخرى".
ويؤكد أبو شهلا ، أن الشعب يدرك بما يتعرض له الرئيس من ضغوط غير طبيعية للتنازل عن الثوابت، مشيدا في الوقت ذاته بموقف عباس الثابت في وجه السياسة الأميركية والإسرائيلية المدمرة لعملية السلام.
ويؤكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث ، تمسك الحركة فتح بعباس مرشحاً وحيداً لفتح ، لكنه يشير إلى صعوبة الوضع السياسي "الوضع السياسي بات صعبا في ظل استمرار إسرائيل الاستيطان وتنامي عدد المستوطنين في الضفة الغربية".
وأشار إلى أن تأكيد الرئيس على ثمانية قواعد أساسية يمكن العمل من اجل تحقيقها الأمر الذي يضع الأمم المتحدة والولايات المتحدة واللجنة الرباعية والاتحاد الأوروبي وروسيا أمام مسؤولياتهم تجاه عملية السلام في المنطقة والضغط على إسرائيل من اجل الانصياع للإرادة الدولية .
وشدد شعث على أن فتح لن تبحث عن بديل للرئيس عباس ، لان الحديث عن بديل يعني القبول بأن يأتي من يقبل بتقديم التنازلات التي رفض الرئيس تقديمها إزاء حقوقنا الوطني.
ودعا إلى الضغط من اجل أن تتحمل كافة الأطراف مسؤولياتها لوقف هذا التدهور الحاصل في عملية السلام بسبب ممارسات إسرائيل وتراجع وعجز الولايات المتحدة عن تنفيذ ما التزمت ووعدت به ، الأمر الذي أدى إلى نشوء حالة إحباط عامة.
ويرى الدبلوماسي الفلسطيني عدلي صادق (عضو المجلس الثوري لفتح ) أنه ليس هناك من تفسير لما قاله الرئيس ، سوى أن المحتلين وحلفاءهم قد أوصلوا الرجل الذي اختار السياسة والطريق السلمي سبيلاً لإنجاز مشروع الاستقلال والحرية، إلى نقطة الإحساس باللاجدوى، بعد سنوات طويلة من عمله على إنتاج مقاربات التسوية ووعودها ونصوصها ومناخاتها.
ويقول صادق " اليوم يصل عباس إلى قناعة بأن ما يريده المحتلون هو تصفية القضية الفلسطينية وتجاهل مرجعيات العملية السلمية"، وبالتالي فإن على المحتلين ومعهم الأميركيون الذين يساندونهم أن يتحملوا المسؤولية عن انهيار عملية التسوية وما أقيم على أساس فرضياتها من هياكل وأطر ومؤسسات ما زالت مقيدة أو محاصرة أو مستهدفة.
ويرفض صادق إعلان عباس عدم ترشحه لجولة مقبلة ، ويقول :" لم يكن صائباً توجه الرئيس بعدم الترشح للانتخابات المقبلة" فمن حيث السياسة، نقول لأبي مازن، إن هذا الانسداد يمثل فرصة لتعزيز العمل على تأثيم النهج المضاد للتسوية، وتفعيل النضالات الشعبية التي تسلط الضوء على مسؤولية الأميركيين عن تأجج الصراع وإدامته.
ويقدم الكاتب تامر المصري تفسيراً مغايراً لأسباب إعلان عباس ، ويقول :" إعلان الرئيس ينسجم مع الطابع البراغماتي الزاهد للرجل بالسلطة والحكم كهدف"، ويؤكد أن فترة رئاسته للسلطة، كانت عمليا من منظوره ومنظور من يعرف الرجل عن قرب، وسيلة لترجمة الطموح الوطني العام، إلى حقيقة على الأرض بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، فبهذا آمن عباس ومن أجله ناضل وفي سبيله تحمل الأذى.
ويذهب بعيداً المصري بربط قرار عباس بتناغم موقف إسرائيل مع خصوم عباس الداخليين ، بيد أن قرار عدم الترشح الذي يجيء كما فسر الرئيس نفسه، يأتي احتجاجا على تعثر العملية السياسية والمحاباة الأمريكية لإسرائيل، والاستفراد الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني، أضيف إليها تناغم المصالح بين معارضيه في الداخل الفلسطيني وإسرائيل، الذين التقوا عليه في تقاطع واحد، بتنسيق أو دون تنسيق هذا موضوع آخر، بالإضافة إلى شعوره بخذلان عربي كما ألمح في الخطاب.
ولم تعر حماس قرار عباس الكثير من الاهتمام، ورأت في القرار "مناورة سياسية" لإرغام المجتمع الدولي على مساعدته في تحقيق تقدم على صعيد المفاوضات مع إسرائيل الملتفة حول مواصلة الاستيطان في الضفة الغربية.
واعتبر المتحدث الرسمي باسم حكومة حماس المقالة طاهر النونو أن تلويح عباس ، إنما هو "رسالة موجهة لأمريكا وإسرائيل مفادها أنه إذا أردتم بقائي في منصبي فعليكم تقديم شيئا لي كي أنجح بالانتخابات القادمة".
وأكد النونو أن عباس "فشل خلال خمس سنوات من توليه رئاسة السلطة في تحقيق أي شيء من برنامجه السياسي، كما أن خيار التسوية وصل إلى ما هو أسوأ من أوسلو" مشيرا إلى أن الاستيطان سيطر على الضفة وقسمها، والتهويد في القدس على أشده.
وأضاف "هو يعلم أنه خيار المجتمع الدولي منذ أن أجبر أبو عمار على استحداث منصب رئاسة الوزراء ليتولاه أبو مازن، وهو يعلم أنه خيار المجتمع الدولي للرئاسة، لذلك جاء هذا الخطاب".
وقال الدكتور صلاح البردويل القيادي في حركة حماس وعضو المجلس التشريعي عنها :" إن قرار عباس ، ليس سوى رسالة عتب للإدارة الأمريكية، على خلفية مواقفها الأخيرة من عملية التسوية"، ويستغرب البردويل تعرض عباس لحركته في خطابه .
وقال: عباس وجه سهام العداء نحو حماس، في حين اكتفى بتوجيه عتب إلى الإدارة الأمريكية، وأضاف " موقفه ليس حاسماً " عندما قال إنه سوف يستقيل أو يرفض ترشيح نفسه في المرة القادمة للانتخابات "لقد ترك الباب موارباً ولا داعي لتضخيم الموضوع".
وانتقد البردويل انتقاد عباس لحماس ، وقال :" إن مواقف عباس ليست حازمة فيما يتعلق بعلاقاته مع الاحتلال والولايات المتحدة" ، أما مع "شعبه فهو حازم" فقد هاجم حماس بعنف ، واعتبر أن نهجها مدمر للقضية الفلسطينية لكنه لم يفكر لحظة أن نهج المفاوضات كان "عبثياً أو مدمرا".
ولم تبتعد حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين كثيراً عن موقف حماس من الخطاب ، ووصف المتحدث باسم الحركة داود شهاب ، خطاب عباس ، بأنه "خطاب الاستجدائي العاجز".
واستبعد شهاب أن يحقق قرار الرئيس عدم خوض الانتخابات له غرضه من " تعاطف دولي وخصوصاً أمريكي وإسرائيلي"، مشيراً إلى أن " عباس لم يطرح أي بدائل قوية وحقيقية بعد فشل مشروع التسوية"، وما طرحه هو " استبدال التفاوض العبثي بآخر عقيم".
ويرى أن المطلوب من الرئيس الفلسطيني "اتخاذ خطوات في الاتجاه الصحيح" وذلك بالتخلي عن خيار التفاوض والالتزامات الأمنية، وأن يعمل بجد للوصول إلى وحدة حقيقية للشعب الفلسطيني تستند إلى خيار المقاومة، لأن الاستجداء والرجاء لن يعيد حقا ولن يرد مظلمة.
ويرفض المصري جملة المواقف المشككة في نوايا الرئيس الفلسطيني ، ويؤكد أهمية الخطوة في تعزيز شعبيته "أهمية خطوة الرئيس أنها أكسبته احتراما كبيرا وأثرت في نفوس شعبه"، حتى معارضيه باستثناء حركة حماس.
ويتابع القول "لأول مرة يستطيع رئيس عربي أن يحشر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في خانة الإدانة"، فلقد أثبت أبو مازن زيف الجميع، وهنا تكمن خطورة أبو مازن الإيجابية فلسطينيا، وتدعونا للتمسك به، لأن البديل عنه هو القائد الذي سيتنازل عن الثوابت الفلسطينية وسيخنع لإسرائيل.
وينتقد صادق موقف خصوم عباس ، ويقول :" من جهة التجريح أو التخوين الذي تعرض له الرئيس ؛ فإن عدم الترشح يمثل أعطية معتبرة لجوقة التخوين والكلام المرسل بلسان كل ذوي المناهج والسياسات العقيمة، الذين اشبعوا الراحل الرمز ياسر عرفات تخويناً، ثم كان استشهاده لطمة على وجوههم".
وتابع صادق :" نقول لأبي مازن عن قناعة ودون محاباة، لا بد من الاستمرار، وليس للحركة الوطنية أي مرشح غيره، لأن الثقة فيه كبيرة، ونتحدى الانقلابيين في غزة، أن يفسحوا الطريق لمرور سيارة الرئيس عباس، لكي يعلم الجاهلون ما يتمتع به هذا الرجل، من صدقية، على رأس المناضلين من أجل استقلال فلسطين وحريتها".
المصدر : الحقيقة الدولية - غزة-علي البطة 6.11.2009
المفضلات