شرح قصيدة نونية ابن زيدون
شرح نونية ابن زيدون
الفكرة العامة: محافظة الشاعر على حبه لولادة.
الأبيات ( 1- 10( والشاعر في هذه الأبيات، يذوب آسى وألما على فراق ولادة بن المستكفي حبيبته وعشقته، ويحترق شوقا إليها وإلى الأوقات الصافية المتعة التي أتيحت له معها . وفي ظلال هذه العاطفة المتأججة الملتهبة يقول شعره نابضا بالحياة مترجما عن الحب كاشفا عن الشوق.مختصر الفكرة:وصف لحال الحاضر ووصف الماضي ويتخلل هذا القسم أبيات الوفاء والحب والتجلد على الواقع الأليم.
أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
يستهل الشاعر قصيدته بالتوجع والتحسر على ما صارت إليه حاله فقد تغيرت من قرب بينه وبين محبوبته إلى بعد ونأي يتزايد مع الأيام. لقد تحول القرب بعدا وصار اللقاء جفاء وهو أمر يشقيه ويعذبه.
نجد الشاعر أنه استخدم ألفاظا جزلة في التعبير عن مدى وطول البعد وقوة الشوق حيث استخدم ألفاظ ذات حروف ممدودة يمتد فيها النفس ليعبر عن ألمه ونجد ذلك في جميع ألفاظ البيت الأول./ فهو يقول إن التباعد المؤلم بينه وبين محبوبه أضحى هو السائد بعد القرب الذي كان وحل مكان اللقاء والوصل الجفاء والهجر./ ومن الصور البيانية في البيت: الطباق بين ( التنائي و تدانينا ( التداني) وبين ( لقيانا وتجافينا ) .
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم حزنا مع الدهر لايبلى ويبلينا
في هذا البيت يستفهم الشاعر بغرض التوجع والتحسر والألم الذي حل به ويطلب من أحد أن يبلغ الذي ألبسه هذا الحزن الدائم المتجدد وابتعد عنه( ويقصد الواشين الذين فرقوا بينه وبين محبوبته ) والصورة البيانية هو تشبيه الشاعرسيطرة الحزن على نفسه باللباس أو بثوب يلبسه ويكسو جسمه لا يقدم ولا يبلى بل دائم التجدد/ الغرض من الاستفهام في البيت أظهار الحزن والتوجع.
إن الزمان الذي ما زال يضحكنا أنسا بقربهم قد عاد يبكينا.
هذه هي الرسالة التي أراد الشاعر أن يوصلها إلى محبوبته حين قال في البيت السابق من مبلغ الملبسينا ماذا يبلغهم يا ترى ؟ يبلغهم أن ضحكه قد تحول إلى بكاء دائم أو أن الزمان السابق والذي مايزال يضحكنا مؤنسا لنا بذكراه الجميلة مع المحبوبة قد عاد وتبدل الحال فهو اليوم يبكينا ونلاحظ الشاعر لايتطرق إلى ذكر اسم محبوبته وذلك إجلالا لها وتعظيما لشأنها ووفاء لها./ والصورة البيانية تشبيه الزمان بأنسان يضحك وتشخيصه والتجسيم بالاستعارة المكنية / كما يوجد بين (يضحكنا ويبكينا) مقابلة.
غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا بأن نغص فقال الدهر: آمينا.
وقد نكون وما يخشى تفرقنا فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
ويواصل بث رسالته إلى محبوبته وإلى مستمعيه فيقول أن الدهر قد استجاب لدعوة أعدائه وحقق لهم ما أرادوا من إيقاع بين حبيبين وأصابهم الخزن والألم، فلم يعودا يرجوان التلاقي بعد أن كانا لا يخشيان الفراق./ الصور البيانية: تشبيه الهوى بمشروب يتبادله الحبيبان عن طريق ( الاستعارة المكنية) وتشخيص الدهر وتشبيه بإنسان يتكلم ويقول آمين كذلك عن طريق ( الاستعارة المكنية)./ ويوجد بين ( تفرقنا وتلاقينا ) طباق إيجاب.
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
يبدأ الشاعر بعد وصفه لحال الحاضر المؤلم ومقارنته بالماضي السعيد يتحدث عما يكنه من وفاء لولادة ويبثها الآمه ولوعته فيقول:
ابتعدتم عنا وابتعدنا عنكم ونتيجة هذا البعد فقد جفت ضلوعنا وما تحوى من قلب وغيره واحترق قلوبنا بنار البعد في الوقت الذي ظلت فيه (مآقينا: جمع مؤق وهو مجرى العين من الدمع) عيوننا مبتلة بالدمع من تواصل البكاء لأنه مشتاق محروم فلا أقل من أن يخفف همه بالبكاء ويسلي نفسه بالدموع/ الصور البيانية: بين ابتلت وجفت يوجد مقابلة/ في قوله فما ابتلت جوانحنا هنا كناية عن شوق الشاعر/ وفي قوله ولا جفت مآقينا كناية عن حزن الشاعر.
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
ويستمر الشاعر في وصف الصورة الحزينة القاتمة فيقول: يكاد الشوق إليكم يودي بحياتنا لولا التصبر والأمل والتسلي في اللقاء( حينما تعود به الذكرى على الأيام الخوالي فيتصور الجمال والفتنة والحب والبهجة والأمل والسعادة ويهتف ضميره باسمها ويناجيها على البعد في المسافات لأنها قرينة روحه وجزء نفسه حينما يعيش أبعاد التجربة العذبة المؤلمة ويوازن بين ما كان عليه وما صار إليه تقرب روحه أن تفارق جسده بسبب الحزن المفرط الذي يملأ جوانحه لولا أنه يمني نفسه بالأمل ويعزي روحه عن المحنة بالصبر)/الصور البيانية:يجسد ويشخَّص الضمائر والأسى ويجعل للضمائر لسان يناجي وللأسى قدرة على القضاء والقتل وذلك عن طريق (الاستعارة المكنية).
حالت لفقدكم أيامنا فغدت سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
لقد تبدلت الحياة وأظلمت الدنيا الأيام المشرقة الباسمة المضيئة جللها السواد وعمها الظلام ببعد ولادة وقد كانت الليالي المظلمة الطويلة مضيئة قصيرة بقربها./ الصور البيانية يوجد البيت مقابلة من خلال الكلمات ( أيامنا فغدت سوادا وكانت بكم بيضا ليالينا)
إذ جانب العيش طلق من تألفنا ومورد اللهو صاف من تصافينا.
وإذ هصرنا فنون الوصل دانية قطافها فجنينا منه ماشينا
وفي هذين البيتين يصف الشاعر ويتذكر أيامه مع محبوبته حيث كانت الحياة صافية متفتحة وحيث كانا يجنيان ثمار الحب ما يشاءان ومتى يشاءان فهو يقول أن عيشنا الماضي كان طلق ( مشرق) من شدة الألفة بيننا وقوة الترابط حيث اللهو والسمر والتخلي فيما بينهم وبين أنفسهم لا يعكره حزن ولا هم ولا شقاق ولا خلاف ولهذا فهو صاف مثل المورد العذب الجميل من شدة تصافينا وخلو المودة مما يكدرها.
وإذ قطفنا أو أملنا( هصرنا) فنون الوصل ( أنواع وطرق الوصل) وفنون التواصل من كلام عذب وتغزل وغيرها حيث أنها وبالمودة كانت قريبة وأخذوا منه ما شاء منها ومتى شاء./ الصور البيانية: شبه اللهو بالمورد العذب وعدم التكدر بصفاء المورد/ وشبه الوصل بشجرة بها من الثمار القريبة الدانية عن طريق الاستعارة المكنية./ كما يوجد اقتباس من القرآن في قوله دانية قطافها .
الأبيات من ( 11- 13):- تأكيد الشاعر محافظته على عهد محبوبته والوفاء لها.
ليسق عهدكم عهد السرور فما كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا إذ طالما غير النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلا منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا.
ويطوف بالشاعر طائف الذكرى الحلوة فيدعو لعهد الوفاء بينهما بالحياة والتجدد لأنه عاش فيه وصفت روحه به وتلقى من محبوبته مشاعل الأمل وحياة النفس وهو دعاء يكشف عن الحنين إلى العهد الماضي وجمال الذكرى / وإذا كان الفراق يغير المحبين ويجعلهم ينسون حبات قلوبهم فلن يستطيع أن ينسى الشاعر هواه بل يزيده البعد وفاء وإخلاصا فما زالت أمانيه متعلقة بولادة وهواه مقصورا عليها فقد كانت الرياحين لروحه وما زالت كذلك والشاعر يؤكد هذا المعنى ويثبته بالقسم بالله/ الصور البيانية: استخدام فعل الأمر ليسق وقصد به الدعاء والغرض منه الحنين/ وشبه محبوبته ولادة بالرياحين/ يوجد بين أرواحنا ورياحينا : جناس ناقص/ استخدام القسم للتأكيد.
الأبيات:14-15: مناجاة وإشراك الشاعر الطبيعة أحاسيسه ومشاعره
يا ساري البرق غاد القصر واسق به من كان صرف الهوى والود يسقينا.
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا من لو على البعد حيا كان يحيينا
يناجي الشاعر الطبيعة ويشرك بعضها في هواه ويستعين بها لتشاركه في حمل عبئه وتخفيف آلمه والوقوف بجانبه فيدعو المطر في ترفق ورجاء أن يباكر ويبكر في إرواء قصر محبوبته بماء المطر العذب الصافي لأنها كثيرا ما سقته الهوى خالصا نقيا من الخداع والزيف ولا يكتفي الشاعر بالمطر بل يقصد نسيم الصبا ليبلغ تحيته إلى من يهواه لأنه على الرغم من بعده فأنه لو ألقى لي ورد لي التحية لبعث في روحي الحياة مرة أخرى.
أو لينقل تحياته إلى محبوبته التي لو ردت التحية فإنها ستمنحه الحياة مهما كانت بعيدة عنه./ الصور البيانية: فقد أبدع الشاعر في مناجاته ( ساري البرق) ( ونسيم الصبا) وفي طلبه السقيا من المطر للقصر ومن فيه وفي طلب تبليغ التحية إلى من يحب من ( نسيم الصبا) فهو في ذلك يشخص الطبيعة ويأنس إليها ويبثها نجواه وأحاسيسه/ ومن الصور الكناية عن ولادة في قوله ( من كان صرف الهوى والود يسقينا) / والاستعارة المكنية في بلغ ( بلغ تحيتنا) / والاستعارة التصريحية في ( من لو على القرب حيا كان يحيينا) حيث توحي بأن لقاءه بمن يحب حياة وبعده عنه موت وبهذا شبه اللقاء بالحياة والبعد بالموت./ أسلوب النداء الغرض منه اظهار الشوق والحنين/ والغرض من النداء في البيت هو الرجاء والتمني.
الأبيات من 16- 19: تأكيد الشاعر احترامه لمحبوبته وعودته للمناجاة مع مقارنة الحاضر المقيم بالماضي الآفل وتأكيد للوفاء ينهي إلى الاستعطاف والاستسلام لهدوء ذليل.
لسنا نسميك إجلالا وتكرمة وقدرك المعتلى عن ذاك يغنينا
يؤكد الشاعر في هذا البيت احترامه لمحبوبته فهو لا يذكر اسمها تكريما لها وتشريفا لقدرها العالي./ ما إعراب إجلالا: مفعول لأجله منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره.
يا جنة الخلد أبدلنا بسدرتها والكوثر العذب زقزوما وغسلينا
دومي على العهد _ ما دمنا _ محافظة فالحر من دان إنصافا كما دينا
عليك منا سلام الله ما بقيت صبابة منك نخفيها وفتخفينا
يتابع الشاعر أساه ويبرز لوعته على حرمانه الجنة التي تفيأ ظلالها ونعم بها مع من يحب ثم إذا به يستبدل بجنته نارا وطعامه الطيب وماؤه العذب يتبدلان زقوما وغسلينا /ولن يرد الشاعر نفسه القلقة ولن يعيد إليه روحه المعذبة إلا بقاءؤها على الود وحفاظها على العهد ولذلك يدعوها في استعطاف ان توفي بعهدها معه لأنه وفي به وحافظ عليه وشيمة الاحرار الوفاء بالعهد وهي منهم حتى لا يكون لأحد عليه فضل /ولكنه لا ينسى أن هذا قد أصبح من الماضي الذي لن يعود فيرسل لها سلاما يبقى ما بقيت لديه بقية من حب ونحوها. وودعها وفي نفسه ذلة وانكسار وفي الجو الذي خلقه ارتجاف وحسرة / الصور البيانية: الاستعارة التمثيلية في البيت يا جنة أبدلنا ... ألخ حيث شبه صورة زمن الوصل وما فيه من ألوان المتعة وتنوع مظاهر السعادة بالعيش في جنة الخلد والتمتع بكل مظاهر السرور كما أنه شبه حياة الفراق وما فيها من عذاب وجروح وآلام بالحياة في النار ليس فيها إلا الاحراق والزقوم والغسلين ثم استعار التعبير في الجانبين فالاستعارة هنا تمثيلية كما يوجد اقتباس من القرآن في جنة الخلد/ وزقوم / وغسلين...ألخ/ الغرض من فعل الأمر دومي هو الاستعطاف والرجاء واستماله/ والمقابلة بين( نخفيها فتخفينا)/ والغرض من النداء في قوله يا جنة الخلد إظهار التحسر/ .
المفضلات